الأربعاء، 3 سبتمبر 2008

الأغنيات الأخيرة !!


إهداء/إلى السكرتير الصحفي لنائب رئيس الجمهورية اليمنية-يحيى العراسي-:
أتكون هذه الأسطر الحزينة كالعادة تعد حُلتها استعدادا لمعانقة شهوة البياض والولادة على صفحات المدونات أو ما شابه ذلك؟!!الكلمات التي اعتادت على مغامراتها في التحدي وفي مواصلة النشيد رغم كل استفزازات رجال البوليس والأطقم العسكرية التي تريد أن تمزق هذا القلب وتبث في ثناياه الخوف والحرائق ,وتجرده من طريقته الجديدة في النبض بالكلمات وتأدية المشهد الأخير الذي لا جدران خلفه و لا سقف له ..ليواصل الرقص على سيمفونية الرفض والحرية والركض صوب هاوية الجنون اللذيذ !!هنالك لغتان الأولى لغة القلب والدم المتراقص ابتهاجا و طربا وتألقا بهذا الشكل والمضمون من الحياة!!!!!و لغة أخرى ليست هذه الذي تأتي على مساحة الورق الأبيض التي رافقت الروح ولازمت كل منعطفاته..إنها لغة الواقع..لغة المكان والزمان أيضا ..لغة هذا الواقع المكتنز بأدوات الخيبة وجواسيس الجلاد الذي يختبئ تحت جلودنا وعلى مذاق الخبز و على أغنيات الصباح وعناوين الأخبار التي سنختار مصدرها ...الجلاد الذي تسلل إلى دمنا ذات خلسة ومزق كل الأشياء الربيعية !!

**************
هل اللغة اليوم تأتي مبتهجة كالعادة في لهفتها القصوى لعناق جمال هذا القارئ و صمت هذه الحقيقة المريعة ؟
هل ستقوى اللغة هذه المرة على هزيمة هذا الحد الفاصل بين النص الذي لم تكتمل أبجديته و بين الموت الذي أصبح أحد عناوين المرحلة؟
أيمكن أن تنجو اللغة من حداد حبرها وتحاول أن تنهض من بؤرة هذا الذي يربط أشياءه الصغرى ويحزم أمتعة روحه إلى معركة ٍ غير متكافئة ؟
فأنه قرر أن يذهب إلى حتفه تماما ويترك وراء قلبه كل الذين تقاطعت بهم قطار الزمن من أصدقاء وأمكنة وأشجار ومطر و مساءات وصوت فيروز وقصائد بصوت الشاعر الراحل الكبير /محمود درويش,كل الذين أحزننا الزمن معهم وأبكانا وكل شيئا تقاسمنا معه الدمع والابتسامة!!
لا أستطيع أن أهب اللغة مقامها الذي تستحق أن تنهض من سبات الأبدية وتسطر قليلا من ولعها المتوارث في معانقة البحر وزرقته وعن زبد أكثر نضجا كعادتها الأولى !!
قد تكون اللغة هي الأداة الأولى لاستذكار ملامح الشتات والتمزيق اللذين هما من سمات بائع الأرواح والضمائر الأبدية !!
لن تكون اللغة اليوم أكثر أناقة وطهر ..فقد أفسد جمالها ذلك القصر المناطح السماوات ,أفسد جمالية اللغة وجرّدها من فضاء البوح وأمطار المثالية وسفر الثلج في الأقاصي عن ديمومة الحنين لصورة وطن ٍ مفقود على مرآة الحزن والحدود التي تفصل بين أنفاسه والجغرافيا !!
اللغة لن تكون الشاهد على مأساة تتسلق طبقات القصر وتأخذ أول مهامها وأول رغباتها في ابتكار ضحايا وابتكار وسائل حسب تعريفك للقانون والدساتير !!الكتابة عن موسم الرحيل وقاموس الإمضاء الأخير إلى العاصمة ..هي الحالة المؤكدة لرحلة ٍ لن يكون خلفها من ذكريات على هذه الأرض ؛رحلة من عناوين الدم تستعيد مشهد التمثيل بضحيتها مرة أخرى وسط غياب القوانين والأنظمة وتحدي الطاغي لكل مظاهر الحياة والإنسانية!!!
**************************************
لا نعرف بالضبط موعد الذهاب مع اللغة إلى ساحات الأشياء المألوفة ..كيف تكاثف الوقت وصائد الحلم معا؟!كيف استطاعت اللغة أن تنتصر في ضفاف الفجيعة على أغنيات الطغاة ..وعلى دمع الضحية؟الكتابة هي الطريق المؤدي إلى ساحات الانتصارات والهزائم ..وما أشهى الهزائم الخارجون ضحاياها من عمق النص المكتوب بلغة القلب والمقاومة!!الخارجة من أحزان الحبر فإنها توأم الانتصارات أيضا !!
إننا ربما نموت بسبب النص ومن أجل النص..إنها ذريعة القاتل الوردية التي تمنحه أن ينهض من أحابيل زيفه المعتم ؛أن يستفيق من ذكرى الأشياء السرابية المعنى والمجهولة الأفعال والتسميات المخادعة ؛
أيمكن أن نكون الآن على لحن أنشودة الختام ؟الآن الحديث عن الموت وعن تفاصيل أكثر من مشاهد وتقاسيم الروح المعروضة لمعارك القتل والتمثيل,,ليس ثمة خيارات لدرء هذا الجلاد من التربص بضحيته !! إنه يحاول أن يخلق مليون منعطفا لإيجاد النقطة التي من خلالها يستطيع أن يغمد سيوفه و رماحه ورصاصاته ويعبث بدم الضحية أكثر فأكثر ويعبث بأوراق القانون الذي سينهزم أمام ما يريد القول أو الفعل!!
لا قانون يمكن أن يسكت عربات القتلى الذين يتم مصادرة جثثهم من صالة هذا الجلاد التكريتي البارع في ذبح الأرواح..
عليك أن تستريح من عناء هذا الزيف الذي تبحث عن مضامينه كل لحظة..وتجلد أرواحنا في الثانية مليون جلدة؛عليك أن تستريح قليلا وتشرب كأس الشاي الساخن لنسيان ثمن هذا الجلد كله وتهدأ لحظة عقارب الوقت على ساعة القصر الحائطية !!
ليس هناك ما يستدعي هذا التعجيل المكثف للزمن,عليك أن تغني وترقص وتشرب فرحا بقدوم ضحيتك ..منهيةً بذلك فصلا من المسافات والأزمان المتوارية..سأكون أنا مثل -زياد-الخارج من رواية الكاتبة-أحلام مستغانمي-ذلك الشاعر الفلسطيني الذي قرر أن يذهب إلى تفاصيل موته منهيا بذلك حياته في الصيف !!
فكم هو جميل أن نموت من أجل الدفاع عن الوطن!؟؟

و ما أبشع أيضا أن نموت على يد الوطن !!!!

*نشوان عبده علي غانم.
*مهندس /إتصالات-الجمهورية اليمنية.
* 23/08/2008م.
*nashwanhelali@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: